أود أن أنوه في البداية إلى أن الحديث عن
"الاتجاهات الحديثة في حوكمة الشركات المساهمة العامة" إنما هو في
الواقع انعكاسٌ لأهمية المضامين التي يحملها مفهوم الحوكمة والمتغيرات التي طرأت
عليه، وإدراكٌ لما يعبر عنه من إعلاءٍ لمبدأ الإدارة الرشيدة ودورها في نجاحِ
المشاريع الاقتصادية على وجه العموم.
وتجدر الإشارة إلى أن الجهات التنظيمية والأسواق
المالية بدول مجلس التعاون الخليجي كانت سباقة بين نظيراتها عالمياً في تبني ضوابط
الحوكمة بل وفي طليعة المبادرين بتطبيق معاييرها -على
مدى السنوات الخمس عشر الماضية- بالأخذ في الاعتبار الأهمية البالغة لها ليس فقط بصفتها
خط دفاع أول للشركات المساهمة العامة ضد أية أزمات قد تواجهها (من خلال إيجاد نظام
رقابة داخلية في الشركات المدرجة في أسواق الأوراق المالية، والوصول بإدارة الشركة
إلى تحقيق مبادئ الإدارة الرشيدة)، ولكن أيضاً بالنسبة للأسواق المالية عامة بالنظر
إلى أن الحوكمة تسهم في تهيئة مناخ جيد للأعمال، مما يعمل على تشجيع وزيادة ثقة
المتعاملين في الأسواق وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
من جانبها أخذت هيئة الأوراق المالية والسلع على
عاتقها - ومنذ وقت مبكر- المبادرة بتطبيق قواعد الإدارة الرشيدة - كهدف استراتيجي-
على كافة الشركات والمؤسسات العاملة في الدولة، وذلك اقتناعا منها بأهمية هذه
القواعد في دعم الانضباط المؤسسي وترسيخه، فضلاً عن دورها في تعزيز الشفافية
والعدالة والاستقلالية والممارسات السليمة للأعمال.
وفي سبيل تنفيذ هذا الهدف الاستراتيجي أصدرت
هيئة الأوراق المالية والسلع في العام 2007 "ضوابط حوْكمة الشركات
المساهمة العامة"، بما يتفق مع المبادئ التي أقرتها المنظمات الدولية
المعنية، مع مراعاة الإطار القانوني والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
وفي أعقاب ذلك تم إصدار القرار الوزاري رقم
518 لعام 2009- بشأن "ضوابط الحوكمة ومعايير الإنضباط المؤسسي"،
وفق معايير "أيوسكو" و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD" وتقريري "سهولة
الأعمال" و"التنافسية" الصادرين عن البنك الدولي والمنتدى
الاقتصادي العالمي، وقد جرت على هذا النظام تعديلات في عامي 2014 و2015.
ثم أصدرت هيئة الأوراق المالية والسلع القرار
رقم (7/ر.م) لسنة 2016 بشأن "معايير الانضباط المؤسسي وحوكمة الشركات
المساهمة العامة". وفق أفضل الممارسات العالمية، وقد ساهم تطبيقه في
الارتقاء بتنافسية دولة الإمارات على عدد من المؤشرات العالمية، مثل تقرير سهولة
ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي.. فضلاً عن جعل البيئة الاستثمارية
في دولة الإمارات أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية.
وفي العام الماضي صدر قرار رئيس مجلس إدارة
الهيئة رقم (03/ر.م) لسنة 2020م بشأن اعتماد "دليل حوكمة الشركات المساهمة
العامة" ليحل محل قرار
رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم (7/ر.م.) لسنة 2016 بشأن معايير الإنضباط المؤسسي
وحوكمة الشركات المساهمة العامة.
وقد مثل القرار نقلة نوعية في تطوير منظومة
حوكمة الشركات المساهمة العامة؛ حيث رسم إطار عمل قانوني ونظامي واضح وفعال لتنظيم
شؤون تلك الشركات بما يضمن حقوق جميع أصحاب المصالح فيها فضلاً عن أنه يسهم في
تعزيز الدور الرقابي للهيئة.
لا أريد في الحقيقة أن استطرد في الحديث عن الجوانب والأبعاد المختلفة للحوكمة، ولكني أثق أن هيئة الأوراق المالية والسلع ستواصل جهودها
الحثيثة في ترسيخ ممارسات الحوكمة الرشيدة والانضباط المؤسسي وفقاً لأفضل
الممارسات العالمية، وبما يعزز مبادئ الشفافية والعدالة والاستقلالية والممارسات
السليمة للأعمال.